تامر المصرى عضو نشيط
من اقـوالــى : عجبت لمن يغسل وجهه عدة مرات في النهار ولا يغسل قلبه مرة واحدة في السنة المشاركات : 104 مستوى النشاط : 5201 تاريخ التسجيل : 13/04/2011
| موضوع: هل تعرف من هو الله..هل يستحق ربنا ان يعب الأحد 15 مايو 2011, 6:45 pm | |
| اذا اردت ان تعرف من هو الله تعالى لتعرف حتي لا تعبد الله علي جهل فالعالم اشد علي الشيطان من العابد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
·ما المقصود بالعقل؟
العقل في أصح الآراء:
غريزة وضعها الله في قلوب الممتحنين من عباده لا نعرف كيفيتها، ولكن نتعرف على وجودها من أفعال الإنسان وقول اللسان، فيقال هذا عاقل إذا فعل أفعال العقلاء وهذا مجنون إذا لم يتصف بها.
قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج:46). فالآية تدل على أن العقل موجود في القلب. قال الثعالبي في الجواهر الحسان: (هذه الآية تقتضى أن العقل في القلب وذلك هو الحق، ولا ينكر أن للدماغ اتصالا بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ).
وقال القرطبى في الجامع لأحكام القرآن: (أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محل الأذن، وقد قيل: إن العقل محله الدماغ وروي ذلك عن أبي حنيفة وما أراها عنه صحيحة).
والعقل يقوم بتحصيل المعلومات وجمعها من حواس الإنسان ثم يحللها ويصنف الحدث المرافق لها، ثم يخزنها في ذاكرة الإنسان الذي بدوره يقوم باستدعائها حسبما يشاء.
ما هي الغاية الرئيسية من وجود العقل؟
معرفة الإنسان بما ينفعه ويضره، وكيف يحصِّل الخير الأعلى ويدفع عن نفسه الشر الأدنى ويحقق لنفسه الأفضل دائما؟
هل العقل الوصف المميز للإنسان؟
الإرادة في القلب محل الكسب وهي مسئولة عن شحن العقل بالمعلومات أو تركه خاليا أجوف فارغا، والعقل بدوره يقوم بإدراكها المعلومات وتحصيلها وجمعها وترتيبها، كما أن حواس الإنسان وسيلة نقلها إليه؛ فهي المسئولة عن إدخال المعلومات وإخراجها، ثم يقوم العقل بعد ذلك بتحليلها وتصنيف الحدث المرافق لها، ثم يخزنها في الذاكرة لاستدعائها حسبما يشاء الإنسان.
والغاية الرئيسية من وجود العقل معرفة الإنسان ما ينفعه أو يضره، وكيف يحصِّل الخير الأعلى والأفضل دائما؟ فالعقل شأنه شأن العقل الالكتروني أو الكمبيوتر، غير أن هذا من صنع البشر، وذاك من صنع خالق البشر، وشتان بين هذا وذاك.
ولما كان عظم المنفعة من أجهزة الكمبيوتر يرتبط طرديا مع البرامج العلمية عالية التقنية كان عِظَمُ المنفعة من العقل البشري مرتبطا أيضا مع التزام الإنسان بالمناهج الدقيقة والتشريعات التي تضمن له سبل السعادة في الحياة، ولن نجد دستورا يتصف بالدقة والشمولية أكمل من منهج الله، فلو وضع الله U للإنسان منهجا ونظاما ودستورا وأحكاما كان الكمال كله فيه وكان صلاح العقل في اتباعة؛ لأن علم البشر لا يقارن بعلم الله، والحكم بغير شرعه ونظامه لا يرقي أبدا إلى الحكم بما أنزل الله، ومما لا شك فيه أننا نرى جميع الكائنات في حياتها حريصة كل الحرص على نفعها ودفع الشر عن نفسها، ومن ثم فإنها تطبق منهج الله أكثر من غيرها إلى حد يسمح بإطلاق لفظ التسخير على سلوكياتها فهي أعقل عند المقارنة من الإنسان.
والنملة مثلا على دقة حجمها ووزنها ترى في مسلكها عظمة عقلها وحسن إدراكها، فلو وضعتها في إناء فيه قطرات من ماء ثم نظرت إلى حركتها وتأملت طريقتها في الخلاص من الهلاك لرأيت في فعلها العجب، كيف ولماذا تتمكن النملة في حساباتها من الابتعاد عن الماء؟ وكيف علمت أن الماء يغرقها ويهلكها؟
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة 1/240: (تأمل هذه النملة الضعيفة وما أعطيته من الفطنة والحيلة، في جمع القوت وادخاره وحفظه ودفع الآفة عنه فإنك ترى في ذلك عبرا وآيات، فتري جماعة النمل إذا أرادت إحراز القوت خرجت من أسرابها طالبة له، فإذا ظفرت به أخذت طريقا من أسرابها إليه وشرعت في نقله، فتراها رفقتين، رفقة حاملة تحمله إلى بيوتها سربا ذاهبا، ورفقة خارجة من بيوتها إليه لا تخالط تلك في طريقها، بل هما كالخيطين بمنزلة جماعة الناس الذاهبين في طريق والجماعة الراجعين من جانبهم، فإذا ثقل عليها حمل الشيء من تلك اجتمعت عليه جماعة من النمل وتساعدت على حملة بمنزلة الخشبة والحجر الذي تتساعد الفئة من الناس عليه، فإذا كان الذي ظفر بالطعام منهن واحدة ساعدها رفقتها عليه إلى بيتها وخلوا بينها وبينه، وإن كان الذي صادفه جماعة تساعدن عليه ثم تقاسمنه على باب البيت) .
ومن عجيب ما ورد في عقل النمل وفطنته أنها إذا نقلت الحب إلى مساكنها كسرته لئلا ينبت فإن كان مما ينبت الفلقتان منه كسرته أربعا، فإذا أصابه ندا وبلل وخافت عليه الفساد أخرجته للشمس ثم ترده إلى بيوتها، ولهذا ترى في بعض الأحيان حبا كثيرا على أبواب مساكنها مكسرا ثم تعود عن قريب فلا ترى منه واحدة.
ومن ثم ليس الإنسان وحده المتميز بالعقل والفهم، بل يمكن القول إنه أقل من غيره عقلا وأردأ في حساباته العقلية، ويمكن بالتجربة لحيوان صغير أن يخدع الرجل الكبير، وروي من هذا القبيل الكثير والكثير في عالم الحيوان.
ذكر ابن القيم أن بعض العارفين شاهد منهن يوما عجبا، قال: رأيت نملة جاءت إلى شق جرادة فزاولته فلم تطق حمله من الأرض، فذهبت غير بعيد ثم جاءت معها بجماعة من النمل قال: فرفعت ذلك الشق من الأرض، فلما وصلت النملة برفقتها إلى مكانه دارت حوله ودرن معها فلم يجدن شيئا فرجعن، فوضعته، ثم جاءت فصادفته، فزاولته فلم تطق رفعه فذهبت غير بعيد ثم جاءت بهن، فرفعته، فدرن حول مكانه، فلم يجدن شيئا، فذهبن فوضعته فعادت فجاءت بهن، فرفعته فدرن حول المكان، فلما لم يجدن شيئا تحلقن حلقة وجعلن تلك النملة في وسطها، ثم تحاملن عليها فقطعنها عضوا عضوا حتى ماتت وأنا انظر.
وذكر أيضا في ذكاء الثعلب أن رجلا كان معه دجاجتان فاختبأ الثعلب له، وخطف إحداهما وفر، ثم أعمل فكره في أخذ الأخرى، فظهر لصاحبها من بعيد وفي فمه شيء شبيه بالدجاجة وأطمع الرجل في استعادة الدجاجة بأن ترك ما في فمه وفر؛ فظن الرجل أنها الدجاجة فأسرع نحوها وترك الأخرى، وخالفه الثعلب في خفية فأخذها وذهب.
إن من أعجب ما تنتبه له الأذهان التفكر في كيفية تقدير الطيور لعوامل الاتزان عند الطيران، أليست لديها تكنولوجيا أرقى وأعلى من عقول البشر؟ أتراها درست في معاهد الطيران؟ أم أنها تجهل قوانين الحركة التي عرف بها نيوتن؟
يقول ابن القيم: (وكثير من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أمورا تنفعه في معاشه وأخلاقه وصناعته وحربه وحزمه وصبره وهداية الحيوان فوق هداية أكثر الناس).
ولا يمكن لمن يعلم أسس الحساب من العقلاء أن يرى ذاتين منفصلتين أو ثلاث ذوات ذاتا واحدة؛ فكيف بمن يشرك بالله ويجعل الإله اثنين أو ثلاثة؟ إن صاحب العقل السليم لا يقبل الشرك ولا يرضاه؛ فمن المحال عند العقلاء أن يكون الخالق إلهين اثنين متعادلين في وصف القدرة؛ فإذا أراد أحدهما شيئا ولم يرده الآخر فلا بد عند التنازع من غالب وخاسر وسيعود الأمر إلى قوي قادر والآخر مربوب مقهور عاجز قال تعالى: } مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ { [المؤمنون:91].
وقال: } أَمْ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ الأرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ لوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ { [الأنبياء:22].
وقد ذكر الله U رأي من خالف الإنسان وأنكر عليه اتخاذ الولد للرحمن، وبين أن هذه المخلوقات يرفضن ذلك بشدة، فقال تعالى: } وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا { [مريم:88/92].
ومن المعلوم لدى كل فطرة سليمة أن العاقل هو من يحرص على جلب المنفعة وتحصيلها وحب الخيرات وتفضيلها، ولا نجد عاقلا يفضل الخير الأدنى على الخير الأعلى والعاقل أيضا حريص على دفع المضرة وإبعادها، كما أنه يتحمل مشقة أدنى ليحصِّل منفعة أعلى ويضحي بالقليل ليحصِّل الكثير، ويحرص على الباقي ويزهد في الفاني فالمريض مثلا يتحمل مرارة الدواء طلبا للشفاء، هذه أوصاف العقلاء النابعة من الفطرة السليمة، ومن هنا كانت دعوة الإسلام دعوة عظيمة لأنها بنيت على إيثار ما عند الله بطلب الجنة والبعد عن النار، فليس بعد نعيم الجنة من خير، وليس بعد عذاب النار من شر.
روى مسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t أن رَسُول اللَّهِ S قال: (يُؤْتَي بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَي بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَة فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ).
وقال سبحانه وتعالى: } بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى { [الأعلى:16/19].
والقرآن يخبرنا أن المعرض عن ربه يعترف بذنبه ويقر على نفسه بأن الله منحه غريزة العقل لكنه لم ينتفع بها، وأنه لم يكن عاقلا حين فضل الدنيا على الآخرة.
قال الحارث بن أسد المحاسبي: (جميع الممتحنين المأمورين من العقلاء البالغين كلهم لهم عقول يميزون بها أمور الدنيا كلها الجليل والدقيق وأكثرهم للآخرة لا يعقلون، ألم تسمعه U يقول: } وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ { [الأعراف:198]، وقال جل ثناؤه: } لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا { [الأعراف:179] وهم بالدنيا أهل بصر وسمع وعقل، ولم يعن أنهم صم خرس مجانين وإنما عذبهم لأنهم يعقلون، لو تدبروا ما يرون ويسمعون من الدلائل عليه من آيات الكتاب وآثار الصنعة واتصال التدبير الذي يدل عليه لعلموا أنه واحد لا شريك له، حكى تعالى قول أهل النار فقال: } وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ { [الملك:11]، وقد كانت لهم عقول وأسماع لزمتهم بها الحجة لله U، وإنما عني U أنها لم تعقل عن الله فهما لما قال من عظيم قدر عذابه فندمت ونادت بالويل والندم، لا أنها لم تكن تسمع ولا تعقل ولا كانوا بمجانين ولكن يعقلون أمر الدنيا ولا يعقلون عن الله ما أخبر عنه ووعد وتوعد).
ومن ثم نصل إلى أن الإنسان لم يتميز عمن حوله بالعقل والحكمة إذ يشتركون معه في ذلك على الأقل.
·ما هي حدد المعرفة بالعقل؟ وما العتبات المطلقة للحواس الخمس؟
العقل هو أساس الجهاز الإدراكى البشرى فهو في القلب يشبه المعالج في الكمبيوتر، والحواس تشبه وسائل إدخال المعلومات أو إخراجها، والمخ فيه ذاكرة الإنسان أو ما يشبه القرص الصلب. والله عز وجل قد خلق الإنسان بجهاز إداركى محدود، تحقيقا لعلة معينة، تمثلت في الابتلاء كما قال تعالى: (إِنَّا خَلقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الإنسان:
2)وقد أجريت التجارب والدراسات الحديثة، لتقدير القيم التقريبية للحدود المعينة في المؤثرات الخارجية التي يستقبلها الجهاز الحسي والإدراكى في جسم الإنسان، والتي يطلقون عليها في علم النفس العتبات المطلقة للحواس الخمس فوجدوا الحقائق التالية:
1-أن البصر يدرك به العقل صورة شمعة مضاءة ترى على بعد 30 ميلا في ليل مظلم. 2-أن السمع يدرك به العقل صوت دقة ساعة في ظروف هادئة تماما على بعد 20 قدما. 3-والتذوق يدرك به العقل ملعقة صغيرة من السكر مذابة في جالونين من الماء. 4-الشم يدرك به العقل نقطة عطر منتشرة في غرفة مساحتها 6 أمتار مربعة. 5-وحاسة اللمس يدرك جناح ذبابة يسقط على الصدغ من مسافة 1 سم تقريبا.
فإذا كان الجهاز الإدراكى في الإنسان بهذه الصورة في الدنيا فمن الصعب أن يرى ما وراء ذلك، كالذي يحدث في القبر من عذاب أو نعيم أو يرى الملائكة أو الجن أو عالم الغيب، أو يرى ذات الله وصفاته من باب أولى، ومعلوم أن عدم رؤيته لهذه الأشياء لا يعنى عدم وجودها فالجن مثلا جهازه الإدراكى يختلف عن الإنسان من حيث القوة. قال تعالى في وصفه: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف:27).
وموسى عليه السلام لما طلب رؤية الله لم يكن الجواب باستحالة الرؤية أو نفيها مطلقا، ولكن النفي معلق بانتهاء الحياة الدنيا، فإن الشيء لا يرى لسببين:
1 خفاء المرئي وهو ممتنع في حق الله. 2 ضعف الجهاز الإدراكى للرائي.
وهذا هو شأن موسى عليه السلام، ولذلك تجلى الله للجبل الذي يتحمل أقصى درجة ممكنة من ضوء الشمس والذي لا يتحملة الإنسان أكثر من تسع دقائق تقريبا، قال تعالى:
(وَلمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّهُ قَال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِليْكَ قَال لنْ تَرَانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فَلمَّا تَجَلى رَبُّهُ لِلجَبَلِ جَعَلهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً، فَلمَّا أَفَاقَ قَال سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِليْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ) (الأعراف:143).
فمن الخطأ طلب البحث عن كيفية الأمور الغيبية أو الذات الإلهية أو صفاتها في الدنيا، لأن النواميس التي أوجدها الله في الكون لا تسمح بذلك اللهم إلا إذا حدث خرق للعادة كأن يرى بعض الرسل الملائكة أو الجنة أو النار أو بعض أمور الغيب أو ما يعجز الإنسان العادي عن إدراكه.
كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه البخاري: (قَالتْ عَائِشَةُ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلةً .. لقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُل شَيْءٍ وُعِدْتُهُ، حَتَّى لقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنْ الجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلتُ أَتَقَدَّمُ، وَلقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ).
أما في الآخرة فالأمر مختلف تماما، إذ أن مدركات الإنسان في الآخرة تختلف عن مدركاته في الدنيا كما صح الخبر عن رسول الله بذلك في الحديث المتفق عليه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ قَال:
(خَلقَ اللهُ آدَمَ عَلى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلمَّا خَلقَهُ قَال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلى أُولئِكَ النَّفَرِ مِنْ المَلائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَال: السَّلامُ عَليْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلامُ عَليْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلى صُورَةِ آدَمَ، فَلمْ يَزَل الخَلقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ).
فالإنسان يوم القيامة على صورة آدم طوله ستون زراعا، ومن أجل ذلك فإن مداركه وحواسه تتغير بالكيفية التي تناسب أمور الآخرة.
فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم كما ورد في صحيح البخاري عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: (كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فَنَظَرَ إِلى القَمَرِ ليْلةً يَعْنِي البَدْرَ فَقَال إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل الغُرُوبِ).
فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم علمنا أن إدرك العين المبصرة في الدنيا وقدرتها تختلف عن إدراك العين المبصرة في الآخرة وقدرتها على الرؤية.
من أجل ذلك وجب الإيمان بالرؤية في الآخرة والتسليم بذلك لموافقته للعقل الصريح والنقل الصحيح، وكذلك الحال في بقية الصفات، فنؤمن بها ونثبتها لله دون أن نطلب كيفيتها.
أما العقل فأقصى حدوده أن يتعرف على وجود الله من خلال الأسباب، فهناك عدة أمور يدرك بها العقل حقائق الأشياء على وجه اليقين مدارك اليقين العقلي.
·هل العقل الوصف المميز للإنسان؟
الإرادة في القلب محل الكسب وهي مسئولة عن شحن العقل بالمعلومات أو تركه خاليا أجوف فارغا، والعقل بدوره يقوم بإدراكها المعلومات وتحصيلها وجمعها وترتيبها، كما أن حواس الإنسان وسيلة نقلها إليه؛ فهي المسئولة عن إدخال المعلومات وإخراجها، ثم يقوم العقل بعد ذلك بتحليلها وتصنيف الحدث المرافق لها، ثم يخزنها في الذاكرة لاستدعائها حسبما يشاء الإنسان.
والغاية الرئيسية من وجود العقل معرفة الإنسان ما ينفعه أو يضره، وكيف يحصِّل الخير الأعلى والأفضل دائما؟ فالعقل شأنه شأن العقل الالكتروني أو الكمبيوتر، غير أن هذا من صنع البشر، وذاك من صنع خالق البشر، وشتان بين هذا وذاك.
ولما كان عظم المنفعة من أجهزة الكمبيوتر يرتبط طرديا مع البرامج العلمية عالية التقنية كان عِظَمُ المنفعة من العقل البشري مرتبطا أيضا مع التزام الإنسان بالمناهج الدقيقة والتشريعات التي تضمن له سبل السعادة في الحياة، ولن نجد دستورا يتصف بالدقة والشمولية أكمل من منهج الله، فلو وضع الله U للإنسان منهجا ونظاما ودستورا وأحكاما كان الكمال كله فيه وكان صلاح العقل في اتباعة؛ لأن علم البشر لا يقارن بعلم الله، والحكم بغير شرعه ونظامه لا يرقي أبدا إلى الحكم بما أنزل الله، ومما لا شك فيه أننا نرى جميع الكائنات في حياتها حريصة كل الحرص على نفعها ودفع الشر عن نفسها، ومن ثم فإنها تطبق منهج الله أكثر من غيرها إلى حد يسمح بإطلاق لفظ التسخير على سلوكياتها فهي أعقل عند المقارنة من الإنسان.
والنملة مثلا على دقة حجمها ووزنها ترى في مسلكها عظمة عقلها وحسن إدراكها، فلو وضعتها في إناء فيه قطرات من ماء ثم نظرت إلى حركتها وتأملت طريقتها في الخلاص من الهلاك لرأيت في فعلها العجب، كيف ولماذا تتمكن النملة في حساباتها من الابتعاد عن الماء؟ وكيف علمت أن الماء يغرقها ويهلكها؟
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة 1/240: (تأمل هذه النملة الضعيفة وما أعطيته من الفطنة والحيلة، في جمع القوت وادخاره وحفظه ودفع الآفة عنه فإنك ترى في ذلك عبرا وآيات، فتري جماعة النمل إذا أرادت إحراز القوت خرجت من أسرابها طالبة له، فإذا ظفرت به أخذت طريقا من أسرابها إليه وشرعت في نقله، فتراها رفقتين، رفقة حاملة تحمله إلى بيوتها سربا ذاهبا، ورفقة خارجة من بيوتها إليه لا تخالط تلك في طريقها، بل هما كالخيطين بمنزلة جماعة الناس الذاهبين في طريق والجماعة الراجعين من جانبهم، فإذا ثقل عليها حمل الشيء من تلك اجتمعت عليه جماعة من النمل وتساعدت على حملة بمنزلة الخشبة والحجر الذي تتساعد الفئة من الناس عليه، فإذا كان الذي ظفر بالطعام منهن واحدة ساعدها رفقتها عليه إلى بيتها وخلوا بينها وبينه، وإن كان الذي صادفه جماعة تساعدن عليه ثم تقاسمنه على باب البيت) .
ومن عجيب ما ورد في عقل النمل وفطنته أنها إذا نقلت الحب إلى مساكنها كسرته لئلا ينبت فإن كان مما ينبت الفلقتان منه كسرته أربعا، فإذا أصابه ندا وبلل وخافت عليه الفساد أخرجته للشمس ثم ترده إلى بيوتها، ولهذا ترى في بعض الأحيان حبا كثيرا على أبواب مساكنها مكسرا ثم تعود عن قريب فلا ترى منه واحدة.
ومن ثم ليس الإنسان وحده المتميز بالعقل والفهم، بل يمكن القول إنه أقل من غيره عقلا وأردأ في حساباته العقلية، ويمكن بالتجربة لحيوان صغير أن يخدع الرجل الكبير، وروي من هذا القبيل الكثير والكثير في عالم الحيوان.
ذكر ابن القيم أن بعض العارفين شاهد منهن يوما عجبا، قال: رأيت نملة جاءت إلى شق جرادة فزاولته فلم تطق حمله من الأرض، فذهبت غير بعيد ثم جاءت معها بجماعة من النمل قال: فرفعت ذلك الشق من الأرض، فلما وصلت النملة برفقتها إلى مكانه دارت حوله ودرن معها فلم يجدن شيئا فرجعن، فوضعته، ثم جاءت فصادفته، فزاولته فلم تطق رفعه فذهبت غير بعيد ثم جاءت بهن، فرفعته، فدرن حول مكانه، فلم يجدن شيئا، فذهبن فوضعته فعادت فجاءت بهن، فرفعته فدرن حول المكان، فلما لم يجدن شيئا تحلقن حلقة وجعلن تلك النملة في وسطها، ثم تحاملن عليها فقطعنها عضوا عضوا حتى ماتت وأنا انظر.
وذكر أيضا في ذكاء الثعلب أن رجلا كان معه دجاجتان فاختبأ الثعلب له، وخطف إحداهما وفر، ثم أعمل فكره في أخذ الأخرى، فظهر لصاحبها من بعيد وفي فمه شيء شبيه بالدجاجة وأطمع الرجل في استعادة الدجاجة بأن ترك ما في فمه وفر؛ فظن الرجل أنها الدجاجة فأسرع نحوها وترك الأخرى، وخالفه الثعلب في خفية فأخذها وذهب.
إن من أعجب ما تنتبه له الأذهان التفكر في كيفية تقدير الطيور لعوامل الاتزان عند الطيران، أليست لديها تكنولوجيا أرقى وأعلى من عقول البشر؟ أتراها درست في معاهد الطيران؟ أم أنها تجهل قوانين الحركة التي عرف بها نيوتن؟
يقول ابن القيم: (وكثير من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أمورا تنفعه في معاشه وأخلاقه وصناعته وحربه وحزمه وصبره وهداية الحيوان فوق هداية أكثر الناس).
ولا يمكن لمن يعلم أسس الحساب من العقلاء أن يرى ذاتين منفصلتين أو ثلاث ذوات ذاتا واحدة؛ فكيف بمن يشرك بالله ويجعل الإله اثنين أو ثلاثة؟ إن صاحب العقل السليم لا يقبل الشرك ولا يرضاه؛ فمن المحال عند العقلاء أن يكون الخالق إلهين اثنين متعادلين في وصف القدرة؛ فإذا أراد أحدهما شيئا ولم يرده الآخر فلا بد عند التنازع من غالب وخاسر وسيعود الأمر إلى قوي قادر والآخر مربوب مقهور عاجز قال تعالى: } مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ { [المؤمنون:91].
وقال: } أَمْ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ الأرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ لوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ { [الأنبياء:22]. وقد ذكر الله U رأي من خالف الإنسان وأنكر عليه اتخاذ الولد للرحمن، وبين أن هذه المخلوقات يرفضن ذلك بشدة، فقال تعالى: } وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا { [مريم:88/92].
ومن المعلوم لدى كل فطرة سليمة أن العاقل هو من يحرص على جلب المنفعة وتحصيلها وحب الخيرات وتفضيلها، ولا نجد عاقلا يفضل الخير الأدنى على الخير الأعلى والعاقل أيضا حريص على دفع المضرة وإبعادها، كما أنه يتحمل مشقة أدنى ليحصِّل منفعة أعلى ويضحي بالقليل ليحصِّل الكثير، ويحرص على الباقي ويزهد في الفاني فالمريض مثلا يتحمل مرارة الدواء طلبا للشفاء، هذه أوصاف العقلاء النابعة من الفطرة السليمة، ومن هنا كانت دعوة الإسلام دعوة عظيمة لأنها بنيت على إيثار ما عند الله بطلب الجنة والبعد عن النار، فليس بعد نعيم الجنة من خير، وليس بعد عذاب النار من شر.
روى مسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t أن رَسُول اللَّهِ S قال: (يُؤْتَي بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَي بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَة فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ). وقال سبحانه وتعالى: } بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى { [الأعلى:16/19].
والقرآن يخبرنا أن المعرض عن ربه يعترف بذنبه ويقر على نفسه بأن الله منحه غريزة العقل لكنه لم ينتفع بها، وأنه لم يكن عاقلا حين فضل الدنيا على الآخرة.
قال الحارث بن أسد المحاسبي: (جميع الممتحنين المأمورين من العقلاء البالغين كلهم لهم عقول يميزون بها أمور الدنيا كلها الجليل والدقيق وأكثرهم للآخرة لا يعقلون، ألم تسمعه U يقول: } وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ { [الأعراف:198]، وقال جل ثناؤه: } لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا { [الأعراف:179] وهم بالدنيا أهل بصر وسمع وعقل، ولم يعن أنهم صم خرس مجانين وإنما عذبهم لأنهم يعقلون، لو تدبروا ما يرون ويسمعون من الدلائل عليه من آيات الكتاب وآثار الصنعة واتصال التدبير الذي يدل عليه لعلموا أنه واحد لا شريك له، حكى تعالى قول أهل النار فقال: } وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ { [الملك:11]، وقد كانت لهم عقول وأسماع لزمتهم بها الحجة لله U، وإنما عني U أنها لم تعقل عن الله فهما لما قال من عظيم قدر عذابه فندمت ونادت بالويل والندم، لا أنها لم تكن تسمع ولا تعقل ولا كانوا بمجانين ولكن يعقلون أمر الدنيا ولا يعقلون عن الله ما أخبر عنه ووعد وتوعد).
ومن ثم نصل إلى أن الإنسان لم يتميز عمن حوله بالعقل والحكمة إذ يشتركون معه في ذلك على الأقل.
ما هي حدد المعرفة بالعقل؟ وما العتبات المطلقة للحواس الخمس؟
العقل هو أساس الجهاز الإدراكى البشرى فهو في القلب يشبه المعالج في الكمبيوتر، والحواس تشبه وسائل إدخال المعلومات أو إخراجها، والمخ فيه ذاكرة الإنسان أو ما يشبه القرص الصلب. والله عز وجل قد خلق الإنسان بجهاز إداركى محدود، تحقيقا لعلة معينة، تمثلت في الابتلاء كما قال تعالى: (إِنَّا خَلقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الإنسان:
2)وقد أجريت التجارب والدراسات الحديثة، لتقدير القيم التقريبية للحدود المعينة في المؤثرات الخارجية التي يستقبلها الجهاز الحسي والإدراكى في جسم الإنسان، والتي يطلقون عليها في علم النفس العتبات المطلقة للحواس الخمس فوجدوا الحقائق التالية:
1-أن البصر يدرك به العقل صورة شمعة مضاءة ترى على بعد 30 ميلا في ليل مظلم.
2-أن السمع يدرك به العقل صوت دقة ساعة في ظروف هادئة تماما على بعد 20 قدما.
3-والتذوق يدرك به العقل ملعقة صغيرة من السكر مذابة في جالونين من الماء.
4-الشم يدرك به العقل نقطة عطر منتشرة في غرفة مساحتها 6 أمتار مربعة.
5-وحاسة اللمس يدرك جناح ذبابة يسقط على الصدغ من مسافة 1 سم تقريبا.
فإذا كان الجهاز الإدراكى في الإنسان بهذه الصورة في الدنيا فمن الصعب أن يرى ما وراء ذلك، كالذي يحدث في القبر من عذاب أو نعيم أو يرى الملائكة أو الجن أو عالم الغيب، أو يرى ذات الله وصفاته من باب أولى، ومعلوم أن عدم رؤيته لهذه الأشياء لا يعنى عدم وجودها فالجن مثلا جهازه الإدراكى يختلف عن الإنسان من حيث القوة. قال تعالى في وصفه: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف:27).
وموسى عليه السلام لما طلب رؤية الله لم يكن الجواب باستحالة الرؤية أو نفيها مطلقا، ولكن النفي معلق بانتهاء الحياة الدنيا، فإن الشيء لا يرى لسببين:
1 خفاء المرئي وهو ممتنع في حق الله. 2 ضعف الجهاز الإدراكى للرائي.
وهذا هو شأن موسى عليه السلام، ولذلك تجلى الله للجبل الذي يتحمل أقصى درجة ممكنة من ضوء الشمس والذي لا يتحملة الإنسان أكثر من تسع دقائق تقريبا، قال تعالى:
(وَلمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّهُ قَال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِليْكَ قَال لنْ تَرَانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فَلمَّا تَجَلى رَبُّهُ لِلجَبَلِ جَعَلهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً، فَلمَّا أَفَاقَ قَال سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِليْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ) (الأعراف:143).
فمن الخطأ طلب البحث عن كيفية الأمور الغيبية أو الذات الإلهية أو صفاتها في الدنيا، لأن النواميس التي أوجدها الله في الكون لا تسمح بذلك اللهم إلا إذا حدث خرق للعادة كأن يرى بعض الرسل الملائكة أو الجنة أو النار أو بعض أمور الغيب أو ما يعجز الإنسان العادي عن إدراكه.
كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه البخاري: (قَالتْ عَائِشَةُ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلةً .. لقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُل شَيْءٍ وُعِدْتُهُ، حَتَّى لقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنْ الجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلتُ أَتَقَدَّمُ، وَلقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ).
أما في الآخرة فالأمر مختلف تماما، إذ أن مدركات الإنسان في الآخرة تختلف عن مدركاته في الدنيا كما صح الخبر عن رسول الله بذلك في الحديث المتفق عليه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ قَال:
(خَلقَ اللهُ آدَمَ عَلى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلمَّا خَلقَهُ قَال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلى أُولئِكَ النَّفَرِ مِنْ المَلائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَال: السَّلامُ عَليْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلامُ عَليْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلى صُورَةِ آدَمَ، فَلمْ يَزَل الخَلقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ).
فالإنسان يوم القيامة على صورة آدم طوله ستون زراعا، ومن أجل ذلك فإن مداركه وحواسه تتغير بالكيفية التي تناسب أمور الآخرة.
فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم كما ورد في صحيح البخاري عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: (كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فَنَظَرَ إِلى القَمَرِ ليْلةً يَعْنِي البَدْرَ فَقَال إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل الغُرُوبِ).
فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم علمنا أن إدرك العين المبصرة في الدنيا وقدرتها تختلف عن إدراك العين المبصرة في الآخرة وقدرتها على الرؤية.
من أجل ذلك وجب الإيمان بالرؤية في الآخرة والتسليم بذلك لموافقته للعقل الصريح والنقل الصحيح، وكذلك الحال في بقية الصفات، فنؤمن بها ونثبتها لله دون أن نطلب كيفيتها.
أما العقل فأقصى حدوده أن يتعرف على وجود الله من خلال الأسباب، فهناك عدة أمور يدرك بها العقل حقائق الأشياء على وجه اليقين مدارك اليقين العقلي.
| |
|
عاشـق عضو متألق
من اقـوالــى : المشاركات : 1070 مستوى النشاط : 6771 تاريخ التسجيل : 25/02/2010 الموقع : https://lyaale.yoo7.com عمـــرى : 38 الاوسمـــــة :
| موضوع: رد: هل تعرف من هو الله..هل يستحق ربنا ان يعب الإثنين 16 مايو 2011, 2:52 am | |
| تسلم ايدك ياتيتو اللهم اجعله في ميزان حسناتك يارب \ تقبل مروري | |
|
نور العيون عضو مبدع
من اقـوالــى : المشاركات : 2376 مستوى النشاط : 8522 تاريخ التسجيل : 11/12/2010 عمـــرى : 35 الاوسمـــــة :
| موضوع: رد: هل تعرف من هو الله..هل يستحق ربنا ان يعب الإثنين 16 مايو 2011, 6:35 pm | |
| جزاك الله خيراا تامر المصرى
موضوع اكثر من رائع فالله لا تدركة الابصار ومن عظمتة قصة سيدنا موسى
وحوارة مع الله وتجلى الجبل
سبحانك ربى تجلى مولانا عن النقص والعلل وما يفعل البشر
لا الة الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين
تحياتى وخالص تقديرى | |
|